فصل: آدَابٌ مُتَفَرِّقَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين



.آدَابٌ مُتَفَرِّقَةٌ:

الْأَوَّلُ: حُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِعْلُهُ، وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَاتِ الْبِلَادِ وَأَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ، فَمَنْ لَا يَلِيقُ ذَاكَ بِهِ لِحَالِهِ أَوْ عَادَةِ بِلَادِهِ كَانَ شَرَهًا وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ.
الثَّانِي: قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: لَا تَنْكِحْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا فَتَاةً، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ اللَّحْمِ إِلَّا فَتِيًّا، وَلَا تَأْكُلِ الْمَطْبُوخَ حَتَّى يَتِمَّ نُضْجُهُ، وَلَا تَشْرَبَنَّ دَوَاءً إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ الْفَاكِهَةِ إِلَّا نَضِيجَهَا، وَلَا تَأْكُلَنَّ طَعَامًا إِلَّا أَجَدْتَ مَضْغَهُ، وَلَا تَشْرَبَنَّ فَوْقَ الطَّعَامِ، وَلَا تَحْبِسِ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ، وَإِذَا أَكَلْتَ بِالنَّهَارِ فَنَمْ، وَإِذَا أَكَلْتَ بِاللَّيْلِ فَامْشِ قَبْلَ أَنْ تَنَامَ وَلَوْ مِائَةَ خُطْوَةٍ.
الثَّالِثُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَلَ الطَّعَامُ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ آلَ جَعْفَرٍ شُغِلُوا بِمَيِّتِهِمْ عَنْ صُنْعِ طَعَامِهِمْ فَاحْمِلُوا إِلَيْهِمْ مَا يَأْكُلُونَ» فَذَلِكَ سُنَّةٌ، وَإِذَا قُدِّمَ ذَلِكَ إِلَى الْجَمْعِ حَلَّ الْأَكْلُ مِنْهُ.
الرَّابِعُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ طَعَامَ ظَالِمٍ فَإِنْ أُكْرِهَ فَلْيُقَلِّلِ الْأَكْلَ.

.تَتِمَّةٌ:

حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَيَقُولُ: انْتِظَارُ الْمَرَقَةِ ذُلٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إِذَا وُضِعَتْ يَدِي فِي قَصْعَةِ غَيْرِي فَقَدْ ذَلَّتْ لَهُ رَقَبَتِي.
وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْكَلَامَ وَقَالَ: هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ ذُلٌّ إِذَا كَانَ الدَّاعِي لَا يَفْرَحُ بِالْإِجَابَةِ وَلَا يَتَقَلَّدُ بِهَا مِنَّةً، وَكَانَ يَرَى ذَلِكَ يَدًا لَهُ عَلَى الْمَدْعُوِّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْضُرُ لِعِلْمِهِ أَنَّ الدَّاعِيَ لَهُ يَتَقَلَّدُ مِنَّةً وَيَرَى ذَلِكَ شَرَفًا وَذُخْرًا لِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ، فَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يَسْتَثْقِلُ الْإِطْعَامَ وَأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبَاهَاةً أَوْ تَكَلُّفًا فَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ إِجَابَتُهُ بَلِ الْأَوْلَى التَّعَلُّلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: لَا تُجِبْ إِلَّا دَعْوَةَ مَنْ يَرَى أَنَّكَ أَكَلْتَ رِزْقَكَ وَأَنَّهُ سَلَّمَ إِلَيْكَ وَدِيعَةً كَانَتْ لَكَ عِنْدَهُ، وَيَرَى لَكَ الْفَضْلَ عَلَيْهِ فِي قَبُولِ تِلْكَ الْوَدِيعَةِ مِنْهُ، فَإِذَا عَلِمَ الْمَدْعُوُّ أَنَّهُ لَا مِنَّةَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ.

.كِتَابُ آدَابِ النِّكَاحِ:

.التَّرْغِيبُ فِيهِ:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّورِ: 32] وَهَذَا أَمْرٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [الْبَقَرَةِ: 232] وَهَذَا مَنْعٌ مِنَ الْعَضْلِ وَنَهْيٌ عَنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الرُّسُلِ وَمَدْحِهِمْ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرَّعْدِ: 38] فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَإِظْهَارِ الْفَضْلِ، وَمَدَحَ أَوْلِيَاءَهُ بِسُؤَالِ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الْفُرْقَانِ: 74] الْآيَةَ.
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ: فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَقَدْ رَغِبَ عَنِّي»، وَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ التَّرْغِيبِ فِيهِ خَوْفُ الْفَسَادِ فِي الْعَيْنِ وَالْفَرْجِ.
وَالْوِجَاءُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَضِّ الْخُصْيَتَيْنِ لِلْفَحْلِ حَتَّى تَزُولَ فُحُولَتُهُ فَهُوَ مُسْتَعَارٌ لِلضَّعْفِ عَنِ الْوِقَاعِ بِالصَّوْمِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ»، وَهَذَا أَيْضًا تَعْلِيلُ التَّرْغِيبِ لِخَوْفِ الْفَسَادِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ إِلَّا ثَلَاثًا وَلَدًا صَالِحًا يَدْعُو لَهُ». الْحَدِيثَ وَلَا يُوصَلُ إِلَى هَذَا إِلَّا بِالنِّكَاحِ.
وَأَمَّا الْآثَارُ: فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَتِمُّ نُسُكُ النَّاسِكِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنَ النُّسُكِ أَوْ تَتِمَّةً لَهُ أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ قَلْبُهُ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ إِلَّا بِالتَّزَوُّجِ وَلَا يَتِمُّ النُّسُكُ إِلَّا بِفَرَاغِ الْقَلْبِ، وَكَانَ يَجْمَعُ غِلْمَانَهُ لَمَّا أَدْرَكُوا وَيَقُولُ: إِنْ أَرَدْتُمُ النِّكَاحَ أَنْكَحْتُكُمْ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا زَنَى نُزِعَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ.
وَأَمَّا:

.فَوَائِدُ النِّكَاحِ:

فَخَمْسَةٌ: الْوَلَدُ، وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ، وَكَثْرَةُ الْعَشِيرَةِ، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ بِالْقِيَامِ بِهِنَّ.

.مَا يُرَاعَى مِنْ أَحْوَالِ الْمَرْأَةِ:

الْخِصَالُ الْمُطَيِّبَةُ لِلْعَيْشِ الَّتِي لَابُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا فِي الْمَرْأَةِ لِيَدُومَ الْعَقْدُ وَتَتَوَفَّرَ مَقَاصِدُهُ ثَمَانٍ: الدِّينُ، وَالْخُلُقُ، وَالْحُسْنُ، وَخِفَّةُ الْمَهْرِ، وَالْوِلَادَةُ وَالْبَكَارَةُ، وَالنَّسَبُ، وَأَنْ لَا تَكُونَ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ.
الْأُولَى: أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً ذَاتَ دِينٍ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَبِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الِاعْتِنَاءُ، فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةَ الدِّينِ فِي صِيَانَةِ نَفْسِهَا وَفَرْجِهَا أَزْرَتْ بِزَوْجِهَا وَسَوَّدَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَجْهَهُ وَشَوَّشَتْ بِالْغَيْرَةِ قَلْبَهُ وَتَنَغَّصَ بِذَلِكَ عَيْشُهُ، فَإِنْ سَلَكَ سَبِيلَ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ لَمْ يَزَلْ فِي بَلَاءٍ، وَإِنْ سَلَكَ سَبِيلَ التَّسَاهُلِ كَانَ مُتَهَاوِنًا بِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْسُوبًا إِلَى قِلَّةِ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةَ الدِّينِ بِاسْتِهْلَاكِ مَالِهِ أَوْ بِوَجْهٍ آخَرَ لَمْ يَزَلِ الْعَيْشُ مُشَوَّشًا مَعَهُ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمَعْصِيَةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيمِ: 6] وَإِنْ أَنْكَرَ وَخَاصَمَ تَنَغَّصَ الْعُمْرُ، وَلِهَذَا بَالَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ فَقَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.
الثَّانِيَةُ: حُسْنُ الْخُلُقِ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ سَلِيطَةً بَذِيئَةَ اللِّسَانِ كَافِرَةً لِلنِّعَمِ كَانَ الضَّرَرُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ النَّفْعِ، وَالصَّبْرُ عَلَى لِسَانِ النِّسَاءِ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ الْأَوْلِيَاءُ.
الثَّالِثَةُ: حُسْنُ الْوَجْهِ فَذَلِكَ أَيْضًا مَطْلُوبٌ إِذْ بِهِ يَحْصُلُ التَّحَصُّنُ، وَالطَّبْعُ لَا يَكْتَفِي بِالدَّمِيمَةِ غَالِبًا، وَمَا نَقَلْنَاهُ مِنَ الْحَثِّ عَلَى الدِّينِ لَيْسَ زَجْرًا عَنْ رِعَايَةِ الْجَمَالِ بَلْ هُوَ زَجْرٌ عَنِ النِّكَاحِ لِأَجْلِ الْجَمَالِ الْمَحْضِ مَعَ الْفَسَادِ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ الْجَمَالَ وَحْدَهُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ يُرَغِّبُ فِي النِّكَاحِ وَيُهَوِّنُ أَمْرَ الدِّينِ، وَيَدُلُّ عَلَى الِالْتِفَاتِ إِلَى مَعْنَى الْجَمَالِ أَنَّ الْإِلْفَ وَالْمَوَدَّةَ تَحْصُلَا بِهِ غَالِبًا، وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَى مُرَاعَاةِ أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ النَّظَرَ فَقَالَ: إِذَا أَوْقَعَ اللَّهُ فِي نَفْسِ أَحَدِكُمْ مِنِ امْرَأَةٍ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا أَيْ يُؤَلَّفَ بَيْنَهُمَا.
وَكَانَ بَعْضُ الْوَرِعِينَ لَا يَنْكِحُونَ كَرَائِمَهُمْ إِلَّا بَعْدَ النَّظَرِ احْتِرَازًا مِنَ الْغُرُورِ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كُلُّ تَزْوِيجٍ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ نَظَرٍ فَآخِرُهُ هَمٌّ وَغَمٌّ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ قَدْ خَضَبَ فَنَصَلَ خِضَابُهُ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَرْأَةِ إِلَى عمر وَقَالُوا: حَسِبْنَاهُ شَابًّا فَأَوْجَعَهُ عمر ضَرْبًا وَقَالَ: غَرَرْتَ الْقَوْمَ، وَالْغُرُورُ يَقَعُ فِي الْجَمَالِ وَالْخُلُقِ جَمِيعًا فَيُسْتَحَبُّ إِزَالَةُ الْغُرُورِ فِي الْجَمَالِ بِالنَّظَرِ، وَفِي الْخُلُقِ بِالْوَصْفِ وَالِاسْتِيصَافِ، وَلَا يَسْتَوْصِفُ فِي أَخْلَاقِهَا وَجَمَالِهَا إِلَّا مَنْ هُوَ بَصِيرٌ صَادِقٌ خَبِيرٌ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لَا يَمِيلُ إِلَيْهَا فَيُفْرِطَ فِي الثَّنَاءِ، وَلَا يَحْسُدُهَا فَيُقَصِّرَ. وَقَلَّ مَنْ يَصْدُقُ فِيهِ بَلِ الْخِدَاعُ وَالْإِغْرَاءُ أَغْلَبُ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ مُهِمٌّ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الْمَهْرِ فَقَدْ نُهِيَ عَنِ الْمُغَالَاةِ فِي الْمَهْرِ.
وَتَزَوَّجَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ يُقَالُ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ابْنَتَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ حَمَلَهَا هُوَ إِلَيْهِ لَيْلًا فَأَدْخَلَهَا مِنَ الْبَابِ ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ جَاءَهَا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا.
وَفِي خَبَرٍ: مِنْ بَرَكَةِ الْمَرْأَةِ سُرْعَةُ تَزْوِيجِهَا وَسُرْعَةُ رَحِمِهَا أَيِ الْوِلَادَةُ وَيُسْرُ مَهْرِهَا وَكَمَا تُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فِي الْمَهْرِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ فَيُكْرَهُ السُّؤَالُ عَنْ مَالِهَا مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْكِحَ طَمَعًا فِي الْمَالِ، وَإِذَا أَهْدَى إِلَيْهِمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْدِيَ لِيَضْطَرَّهُمْ إِلَى الْمُقَابَلَةِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَهْدَوْا إِلَيْهِ فَنِيَّةُ طَلَبِ الزِّيَادَةِ نِيَّةٌ فَاسِدَةٌ وَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [الْمُدَّثِّرِ: 6] أَيْ تُعْطِي لِتَطْلُبَ أَكْثَرَ.
الْخَامِسَةُ: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ وَلُودًا فَإِنْ عُرِفَتْ بِالْعُقْرِ فَلْيَمْتَنِعْ عَنْ تَزْوِيجِهَا.
السَّادِسَةُ: أَنْ تَكُونَ بِكْرًا، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لجابر وَقَدْ نَكَحَ ثَيِّبًا: «هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ».
السَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ نَسِيبَةً، أَعْنِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ فَإِنَّهَا سَتُرَبِّي بَنَاتِهَا وَبَنِيهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُؤَدَّبَةً لَمْ تُحْسِنِ التَّأْدِيبَ وَالتَّرْبِيَةَ، وَفِي خَبَرٍ تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ نَزَّاعٌ.
الثَّامِنَةُ: أَنْ لَا تَكُونَ مِنَ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَلِّلُ الشَّهْوَةَ.
فَهَذِهِ هِيَ الْخِصَالُ الْمُرَغِّبَةُ فِي النِّسَاءِ.
وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَيْضًا أَنْ يُرَاعِيَ خِصَالَ الزَّوْجِ وَلْيَنْظُرْ لِكَرِيمَتِهِ فَلَا يُزَوِّجْهَا مِمَّنْ سَاءَ خُلُقُهُ أَوْ خَلْقُهُ أَوْ ضَعُفَ دَيْنُهُ أَوْ قَصَّرَ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا أَوْ كَانَ لَا يُكَافِئُهَا فِي نَسَبِهَا، وَمَهْمَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ ظَالِمًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَقَدْ جَنَى عَلَى دِينِهِ وَتَعَرَّضَ لِسُخْطِ اللَّهِ لِمَا قَطَعَ مِنْ حَقِّ الرَّحِمِ وَسُوءِ الِاخْتِيَارِ.
قَالَ رَجُلٌ للحسن: قَدْ خَطَبَ ابْنَتِي جَمَاعَةٌ فَمِمَّنْ أُزَوِّجُهَا؟ قَالَ: مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَإِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا، وَإِنْ أَبْغَضَهَا لَمْ يَظْلِمْهَا.

.آدَابُ الْمُعَاشَرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إِلَى الْفِرَاقِ وَالنَّظَرُ فِيمَا عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ:

أَمَّا الزَّوْجُ: فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الِاعْتِدَالِ وَالْآدَابِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَمْرًا، فِي الْوَلِيمَةِ، وَالْمُعَاشَرَةِ، وَالدُّعَابَةِ، وَالسِّيَاسَةِ، وَالْغَيْرَةِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالتَّعْلِيمِ، وَالْقَسْمِ، وَالتَّأْدِيبِ فِي النُّشُوزِ، وَالْوِقَاعِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ.

.الْأَدَبُ الْأَوَّلُ: الْوَلِيمَةُ:

وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، قَالَ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».
وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صفية بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ.
وَتُسْتَحَبُّ تَهْنِئَتُهُ فَيَقُولُ مَنْ دَخَلَ عَلَى الزَّوْجِ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ».
وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ النِّكَاحِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ».

.الْأَدَبُ الثَّانِي: حُسْنُ الْخُلُقِ مَعَهُنَّ، وَاحْتِمَالُ الْأَذَى مِنْهُنَّ تَرَحُّمًا عَلَيْهِنَّ:

قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاءِ: 19] وَقَالَ فِي تَعْظِيمِ حَقِّهِنَّ: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النِّسَاءِ: 21] وَقَالَ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النِّسَاءِ: 36] قِيلَ: هِيَ الْمَرْأَةُ.
وَلَيْسَ حُسْنُ الْخُلُقِ مَعَهَا كَفَّ الْأَذَى عَنْهَا بَلِ احْتِمَالَ الْأَذَى مِنْهَا وَالْحِلْمَ عِنْدَ طَيْشِهَا وَغَضَبِهَا اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَانَتْ أَزْوَاجُهُ يُرَاجِعْنَهُ الْكَلَامَ وَتَهْجُرُهُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ.

.الثَّالِثُ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى احْتِمَالِ الْأَذَى بِالْمُدَاعَبَةِ وَالْمَزْحِ وَالْمُلَاعَبَةِ:

فَهِيَ الَّتِي تُطَيِّبُ قُلُوبَ النِّسَاءِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْزَحُ مَعَهُنَّ وَيَنْزِلُ إِلَى دَرَجَاتِ عُقُولِهِنَّ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ.
وَأَرَى عائشة لَعِبَ الْحَبَشَةِ بِالْمَسْجِدِ وَاسْتَوْقَفَتْهُ طَوِيلًا وَهُوَ يَقُولُ لَهَا: حَسْبُكِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَهْلِهِ مِثْلَ الصَّبِيِّ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجابر هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَوَصَفَتْ أَعْرَابِيَّةٌ زَوْجَهَا وَقَدْ مَاتَ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ ضَحُوكًا إِذَا وَلَجَ، سِكِّيتًا إِذَا خَرَجَ، آكِلًا مَا وَجَدَ، غَيْرَ سَائِلٍ عَمَّا فَقَدَ.

.الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَنْبَسِطَ فِي الدُّعَابَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْمُوَافَقَةِ بِاتِّبَاعِ هَوَاهَا إِلَى حَدٍّ يُفْسِدُ خُلُقَهَا وَيُسْقِطُ بِالْكُلِّيَّةِ هَيْبَتَهُ عِنْدَهَا:

بَلْ يُرَاعِي الِاعْتِدَالَ فِيهِ، فَلَا يَدَعُ الْهَيْبَةَ وَالِانْقِبَاضَ مَهْمَا رَأَى مُنْكَرًا، وَلَا يَفْتَحُ بَابَ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ الْبَتَّةَ، بَلْ مَهْمَا رَأَى مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَالْمُرُوءَةَ تَنَمَّرَ وَامْتَعَضَ، فَبِالْعَدْلِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَكُلُّ مَا جَاوَزَ حَدَّهُ انْعَكَسَ عَلَى ضِدِّهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الِاقْتِصَادِ فِي الْمُخَالَفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَيَتَتَبَّعَ الْحَقَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِيَسْلَمَ مِنْ شَرِّهِنَّ، فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِنَّ سُوءُ الْخُلُقِ وَلَا يَعْتَدِلُ ذَلِكَ مِنْهُنَّ إِلَّا بِنَوْعِ لُطْفٍ مَمْزُوجٍ بِسِيَاسَةٍ. وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَخْلَاقِهَا أَوَّلًا بِالتَّجْرِبَةِ ثُمَّ لِيُعَامِلْهَا بِمَا يُصْلِحُهَا كَمَا يَقْضِيهِ حَالُهَا.

.الْخَامِسُ: الِاعْتِدَالُ فِي الْغَيْرَةِ:

وَهُوَ أَنْ لَا يَتَغَافَلَ عَنْ مَبَادِئِ الْأُمُورِ الَّتِي تُخْشَى غَوَائِلُهَا، وَلَا يُبَالِغَ فِي إِسَاءَةِ الظَّنِّ وَالتَّعَنُّتِ وَتَجَسُّسِ الْبَوَاطِنِ، فَقَدَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُتَّبَعَ عَوْرَاتُ النِّسَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنْ تُبْغَتَ النِّسَاءُ.
وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرِهِ قَالَ قَبْلَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ: لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلًا فَخَالَفَهُ رَجُلَانِ فَسَبَقَا فَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَنْزِلِهِ مَا يَكْرَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ غَيْرَةً يُبْغِضُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ: غَيْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ» لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ الَّذِي نُهِينَا عَنْهُ.
وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فِي مَحَلِّهَا فَلَابُدَّ مِنْهَا وَهِيَ مَحْمُودَةٌ وَذَلِكَ فِي الرِّيبَةِ.
وَكَانَ قَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ فِي حُضُورِ الْمَسْجِدِ سِيَّمَا فِي الْعِيدَيْنِ، فَالْخُرُوجُ لِلْمَسْجِدِ مُبَاحٌ لِلْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ مُبَاحٌ بِرِضَاءِ زَوْجِهَا وَلَكِنَّ الْقُعُودَ أَسْلَمُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا لِمُهِمٍّ فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِلنِّظَارَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مُهِمَّةً تَقْدَحُ فِي الْمُرُوءَةِ وَرُبَّمَا تُفْضِي إِلَى الْفَسَادِ.
فَإِذَا خَرَجَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا عَنِ الرِّجَالِ.
وَلَسْنَا نَقُولُ إِنَّ وَجْهَ الرَّجُلِ فِي حَقِّهَا عَوْرَةٌ كَوَجْهِ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ كَوَجْهِ الصَّبِيِّ الْأَمْرَدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَلَا، إِذْ لَمْ يَزَلِ الرِّجَالُ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ مَكْشُوفِي الْوُجُوهِ، وَالنِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مُتَنَقِّبَاتٍ، وَلَوْ كَانَ وُجُوهُ الرِّجَالِ عَوْرَةً فِي حَقِّ النِّسَاءِ لَأُمِرُوا بِالتَّنْقِيبِ أَوْ مُنِعْنَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.